السبت، 4 أبريل 2015

تاخر صرف الرواتب وتاثيره على الاقتصاد الفلسطيني

شكلت السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية سبباً أساسياً للتشوهات والاختلالات الهيكلية حين في البنية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية منذ الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967. وفي إطار العلاقة غير المتكافئة والقسرية بين الطرفين، عمدت اسرائيل الى جعل المناطق المحتلة مصدراً للأيدي العاملة الرخيصة المستخدمة في سوق العمل الإسرائيلي وسوقاً استهلاكياً لمنتجاتها، في فرضت قيوداً عديدة على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي الفلسطيني وخاصة الصناعي منه، وإستنزفت الموارد المالية للفلسطينيين من خلال فرضها لسياسة ضريبية تعسفية على الأفراد ومنشآت الأعمال. وقد أدت هذه الممارسات الممنهجة الى إضعاف فرص الاقتصاد الفلسطيني في النمو وتطور قواعده الإنتاجية وبالتالي قدرته على امتصاص العمالة الفلسطينية التي كانت تتزايد بإستمرار، الأمر الذي حد من قدرة هذا الإقتصاد على تلبية إحتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات وفرض واقعاً من النمط التبعي الإجباري لسد فجوة الطلب في السوق الفلسطيني عن طريق الاستيراد من اسرائيل. وأصبحت العلاقات التجارية للفلسطينيين محصورة بشكل شبه كامل مع إسرائيل وحُرموا بالتالي  من الاستفادة من فرص التصدير التي كان من الممكن أن تتاح لهم مع الدول العربية والإسلامية، ومن فرص استيراد المواد الخام والمكائن ومستلزمات الإنتاج الأخرى من هذه الدول. هذا إضافة الى تعمق الفجوة في الموارد الطبيعية المتاحة للإستغلال من قبل الفلسطينيين، حيث تعرضت مختلف هذه الموارد مثل الأرض والمياه لعملية نهب متواصلة من قبل السلطات الإسرائيلية.

وقد إستمرت هذه التشوهات والفجوات الموروثة عن الاحتلال في التأثير سلباً على الأداء الإقتصادي الفلسطيني على المستويين الكلي والقطاعي بعد تأسيس السلطة الوطنية وفق إتفاق آوسلو في عام 1994. فبالرغم من الإنجازات الهامة التي حققتها السلطة في مجال بناء مؤسسات الحكم الإقتصادي وإعادة تأهيل مرافق البنية التحتية، وإصدار التشريعات الناظمة لحياة المواطنين في الضفة الغربية وغزة وتنشيط الحركة التجارية والإستثمارية، إلا أن تكلفة تلك الإنجازات كانت مرتفعة نسبيا لأنها تمت في ظل استمرار قيود الاحتلال و سياساته التعسفية، و في ظل غياب رؤية وبرنامج تنموي شامل تهتدي به السلطة في إعادة الإعمار وهيكلة الإقتصاد الفلسطيني. كما أن التشوهات الموروثة عن الإحتلال والمستجدة بعد قيام السلطة أثرت سلباً على هيكل وإدارة الموازنة العامة للسلطة الوطنية، والتي أظهرت حجم الاعتماد الكبير على المساعدات الدولية وعلى الإيرادات الجمركية المحصلة من قبل إسرائيل استنادا الى نصوص بروتوكول باريس الاقتصادي، وبالمقابل ضعف مساهمة القاعدة الضريبية للجباية المحلية. كما أظهرت الموازنة العامة تزايد النفقات العامة الجارية بشكل عشوائي وغير مخطط، وبما لا يتناسب مع القدرات المالية للسلطة. وقد ادت هذه المعطيات الى تفاقم العجز في الموازنة العامة الفلسطينية عبر السنوات مما أوصل السلطة في السنتين الماضيتين الى أزمة مالية مستعصية وخانقة يعيش تبعاتها الغالبية العظمى من أفراد ومؤسسات المجتمع الفلسطيني يومياً.
المشهد الاقتصادي الفلسطيني الراهن 
على مدار عمر السلطة تحكَّم في اتجاهات آداء الاقتصاد الفلسطيني خمسة عوامل اساسية هي:
1) اتفاقات ألمرحلة الانتقالية الموقعة مع اسرائيل.
2) سطوة الاحتلال الاسرائيلي وفرضه امرا واقعا بخلاف معظم نصوص الاتفاقات.
3) منسوب وطبيعة المساعدات الدولية.                   
4) المنهج والسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في ادارة الاقتصاد الوطني.
5) وأخيراً، الحدث العرضي المؤلم الذي عاشه الشعب الفلسطيني منذ عام 2007 والمتمثل في الإنقسام السياسي والمؤسسي بين الضفة وغزة.
وقد ساهمت هذه العوامل في تحديد مسار الاقتصاد الفلسطيني وشكلت ابرز خصائصه وملامحه والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولاً: نمو متذبذب وغير تنموي وغير مستدام !!
ثانياً: إستمرار التحدي المزدوج (البطالة والفقر)
ثالثاً: اختلال التوازن الداخلي: العجز المزمن في الموازنة العامة
رابعاً: اختلال العلاقة بين الادخار والاستثمار
خامساً: تعاظم سيطرة قطاعات الخدمات والتجارة على حساب قطاعات الإنتاج السلعي
سادساً: عجز متزايد في الميزان التجاري السلعي والخدمي

بداية ازمة الرواتب:
اما بالنسبة لازمة  الروايب فقد بدات من 2006 ومرورا ب2007  وصولا الى 2008 والمشكلة لم تحل
 من كانون ثاني ٢٠٠٩ الى ايار 2011 صرفت الرواتب في مواعيدها.اما في شهر حزيران 2011 تاخر صرف الراتب
ثم عاد من جديد الانتظام في صرف الرواتب من تموز 2011 الى ايار 2012
لم يلبث الى ان عاد الراتب الى التذبذب في صرفه مرة اخرى من حزيران 2012 الى الان وهذا التذبذب في الصرف لا زال موجودا

كل مشكلة تتكون يكون ورائها مجموعة من الاسباب وازمة الرواتب كان ورائها مجموعة من الاسباب وهي
اسباب ازمة الرواتب
1-الازمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطية
2-حجز اسرائيل اموال الضرائب والتقاعس في تسليمها للسلطة
3- عدم التزام الدول العربية بتحويل أموال الدعم التي تعهدت بها في القمم العربية



تاثير الازمة على الموظفين والاقتصاد:
اولا  / زيادة مستويات الفقر ونسب الإعالة :
يعيل موظفي السلطة الفلسطينية ما يقارب من مليون شخص أي ما نسبته 25% من إجمالي السكان. دفعت أزمة الرواتب بعشرات آلاف من موظفي الدرجات الإدارية الدنيا إلى حفرة الفقر بسبب فقدانهم المصدر الوحيد للدخل. سبب عدم الانتظام في دفع المرتبات إلى زيادة الإعالة المباشرة في المجتمع الفلسطيني حيث وصلت إلى 7:1 أي في مقابل كل شخص يعمل بمرتب هناك 7 أشخاص لا يعملون ممن هم في سن العمل (15-60 عاما). حيث تحول موظفي الحكومة من معيلين لإسرهم إلى معالين. إن ارتفاع نسب الإعالة يدلل على عمق الأزمة، ففي ظل نسب البطالة العالية وفي ظل عدم انتظام دفع الرواتب لموظفي القطاع العام ، لا يبقى في دورة الانتاج سوى الذين يعملون في القطاع الخاص والمنظمات الأهلية في حين تقف باقي قطاعات المجتمع تتفرج. يسبب ذلك خللا مدمرا لمنظومة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وعلى منظومة القيم والأخلاق. يستوجب ذلك أن يقوم من يتقاضى مرتبه بإعالة مباشرة للمقربين منه وبإعالة غير مباشرة لباقي المجتمع. وذلك من خلال تمويل الخدمات الصحية، التعليم، المواصلات، دفع الرسوم والضرائب. مما يشعر الجميع بالإرهاق والعجز عن المواجهة ، حيث تفوق متطلبات الإعالة قدرات المعيلين.
ثانيا / تدهور المؤشرات القومية وركود النشاط الاقتصادي :-
و هي المؤشرات القومية التي تستخدم في قياس متوسط نمو الدول ومدى رفاهية الشعوب ومن بينها الناتج المحلي الإجمالي. يمثل الإنفاق الحكومي ومن ضمنه المرتبات أحد محفزات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. لذا تلتزم الحكومات بدفع مرتبات موظفيها ليس لتمكينهم من مواجهة تكاليف الحياة المتزايدة فقط، بل من أجل تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية وتشجيع العائلات على الاستهلاك بما يزيد من حركة الأسواق ويخلق فرص عمل جديدة. وكذلك فإن تناقص الإنفاق الحكومي ينعكس سلبا على قدرتها على تسديد فواتير التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. كذلك يؤدى إلى تقليص المشتريات الفلسطينية من إسرائيل بما يقلل من قيمة التحويلات الضريبية (المقاصة) التي تجمعها إسرائيل وتحولها للسلطة الفلسطينية.
ما تأثير تأخر صرف الرواتب على الموظفين، وكيف يؤثر تذبذب صرف الرواتب في فترات زمنية مختلفة؟
·       ان غياب مبلغ مجموع الرواتب الشهرية للموظفين الحكوميين والذي يصل 130 مليون دولار أمر ليس سهلاً ولا هيناً على الاقتصاد الفلسطيني، وانه لايشكل مصدر دخل للموظفين فحسب وانما ايضا للشركات المتعاملة مع الموظفين كأصحاب المحلات والشركات وأصحاب المهن والحرف الموجودة في الاسواق فالتأخر في صرف الرواتب يحرم الاقتصاد من تحريك عجلته والمسير الى الامام.
·       ان عدم صرف الرواتب يؤدي الى انخفاض الطلب الكلي الذي يؤثر على باقي مناحي الاقتصاد من حيث انخفاض الاستهلاك والاستثمار وانخفاض رأس المال العام والقدرة على الانتاج، "فالتأخر يؤثر في انه يكبح جماح النمو الاقتصادي ويقوده الى نوع من الركود، بالاضافة الى انه يوجد فئات فقيرة ويخلق عوز في كثير من فئات المجتمع بداية بأصحاب الرواتب، يليهم بعد ذلك بطريقة غير مباشرة اصحاب المهن والمحلات التي تعتمد في دخولها على ما ينفقه الموظفين".
تأثير تذبذب صرف الرواتب
·       اهم تأثير لتذبذب صرف الرواتب بأن الموظف يصبح ينفق بما يعرف تحت قاعدة "عدم التأكد" فاذا كان ينفق 90% من دخله يصبح يصرف اقل بكثير من هذه النسبة حتى يوازن التذبذبات التي تحصل بسبب عدم الالتزام بصرف الراتب في موعدة، "ولذلك هذا يخفض من حجم الانفاق الكلي في الاقتصاد بمعنى ان كثير من الموظفين يعيدون جدولة مصاريفهم بحيث تنخفض عن الانفاق في الشهور المستقلة ومن جانب اخر ان كثير من المؤسسات التي يتعامل معها الموظفين ستحرم من الدفعات النقدية التي يعطيها الموظفين في حال عدم صرف كل الراتب مما يؤثر على قدرتهم في الاستمرار في تقديم السلع والخدمات للمواطنين".
·       حتى لو تم صرف راتب بالكامل بشكل متذبذب فأن الموظف يكبح جماح انفاقه واستهلاكه وهذا يؤثر على حجم الطلب الكلي في الاقتصاد ومن جانب اخر سيتأثر المزودين للموظف بحيث انه تنخفض الدفع النقدية المتوقعه لهم مما يؤدي الى تخفيض قدرتهم لتقديم سلعهم وخدماتهم.

·       ان قدرة أسر الموظفين الشرائية تتزعزع نتيجة تأخر الرواتب وبالتالي انفاقهم على السلع والخدمات يتباطئ، وكذلك الحركة التجارية في الاسواق المحلية، وينعكس تأخر الرواتب سلباً على ربحية التجار وفرص تطورهم واستثماراتهم وينعكس سلباً على فرص العمالة والتشغيل.


·       ان ذلك يؤثر على خزينة السلطة نتيجة لانخفاض الدخل من الضرائب التي تدفع على الاستهلاك وبالتالي خزينة السلطة تتأثر لأن القدرة في الاقتصاد على توليد ارادات محلية تتراجع وبالتالي يؤدى الى عجز الموازنة ويتباطيء الانفاق الحكومة من جديد وهذا يدخل الدورة الاقتصادية في مربع التباطؤ وكذلك فان التباطؤ وعدم انتظام الرواتب يؤثر على معدلات النمو بشكل عام وربما على قدرة الحكومة على تأدية وظائفها وخدماتها لفئات متضررة كثيرة من الازمة وبخاصة الفقراء الجدد.
·       و من المتوقع ملاحظة افلاس واختفاء بعض الشركات اذا استمر الوضع كما هو عليه، وخاصة المنشات التجارية او الصناعية التي تعتمد في نشاطها على تسويق منتجاتها على الاسواق المحلية وليس على التصدير، التي يخلق لها تأخر الرواتب ازمة كبيرة لأنها تعتمد في الاساس على الانفاق الحكومي، "فإذا صرفت الحكومة الرواتب فإنها تقوم وتستمر وإذا لم تصرف فانها ستكون في ازمة مالية، وقوة استهلاكهم تقل وتتراجع ويجد نفسه في الاستغناء عن بعض العمال لديهم".
ثالثا / ضعف الجهاز البيروقراطي الفلسطيني وتضائل الشعور بالانتماء :-
إن الجهاز الحكومي لأي دولة هو احد مصادر قوتها ومعالم سيادتها وأداتها الأساسية لحقيق خططها التنموية. إن وجود جهاز حكومي منظم وناشط ومؤهل هو أحد الاشتراطات لتحقيق التنمية البشرية. أزمة الرواتب تسبب شعورا لدى موظفي القطاع العام بعدم الجدوى، وتضعف من رغبتهم للذهاب للعمل وتقلص وتحد من قدرتهم على القيام بوظائفهم. مما يصيب الجهاز البيروقراطي بأمراض التكاسل والتغيب وتعميق الشعور بعدم الجدوى. فالمرتب الشهري الذي يحصل عليه الموظف لا يمثل مردودا ماليا لمجهوده ومكافأة لخبرته فقط بقدر ما هو تعزيزا لشعوره بجدوى ما يقوم به، وتقديرا لعمله ومكافأة لمؤهلاته وخبراته.
رابعا / تدهور مستوى جودة الحياة :-

بسبب التقطع في استلام المرتب، تضطر الأسر إلى إعادة تشكيل سلة مشترياتها ومصروفاتها كماً ونوعاً بما يتناسب مع الوضع الجديد. حيث تلجأ الأسرة بداية إلى الاستغناء عن البنود غير الضرورية كالتسلية، الرحلات، ثم تبدأ بتقليص الموازنات المخصصة للقراءة، شراء الكتب، الذهاب للمسرح. يتواصل انحدار الالويات حتى تصل إلى إعادة أولويات الإنفاق على بنود أساسية لا يمكن الاستغناء عنها وهي المأكل والملبس والمشرب. ورغم ضرورتها للحياة إلا أن هذه الحاجات أيضا تخضع للتقنين والترتيب. حيث تتخلى العائلة عن استهلاك السلع مرتفعة التكلفة كاللحوم والأسماك لمصلحة بنود أخرى مثل الخبز والأرز والبقوليات وهي أقل تكلفة لكنها أقل جدوى غذائية. مما ينتج عنه في النهاية ضعف في مستويات الصحة العامة ، انخفاض متوسط العمر ، ضعف البنية العقلية والجسمية وزيادة أمراض هشاشة العظام، وانتشار أمراض فقر الدم وسوء التغذية وخاصة بين الأطفال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق