الاثنين، 13 أبريل 2015

التجربة التنموية الماليزية ج 3

تطور الاقتصاد الماليزي:
من الاستقلال إلى سنة 1990 م
 كان النظام الرأسمالي هو السائد في ماليزيا في الفترة الممتدة منذ تاريخ حصولها على الاستقلال عام 1957 م إلى نهاية الستينات من القرن الماضي تقريبا، مرورا بقيام إتحاد ماليزيا في عام 1963 م وحدوث المشاكل والاضطرابات العرقية في عام 1969 م ثم ظهور قوانين السياسة الاقتصادية الجديدة في عام 1970 م،وانتهاء بإنشاء البنك الإسلامي الماليزي عام 1983 م، وهي فترة يطلق عليها )فترة مفترق الطرق(
أفرزت المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية في هذه الفترة نوع من المؤسسات التعاونية لتقديم خدمات إلى الفئات الفقيرة و المستضعفة التي همشها الاستعمار الانجليزي.
وهذه المؤسسات قامت أساسا لخدمة طبقة المسلمين المالاوي الفقراء، ولقد شجعت الحكومة مثل هذه المؤسسات، واستغلتها في خطتها الاقتصادية، فهي تريد من وراء ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وتوازن الأعراق في ماليزيا.
إذ فهمت الحكومة أن تحقيق النمو مقترن بالمساواة في الفرص، خاصة وأن المجتمع الماليزي يقوم على التعددية العرقية والدينية. مما دفعها إلى نهج خطة اقتصادية تبدأ من عام 1970 م وتنتهي في عام 1990 م، والتي أطلق عليها اسم السياسة الاقتصادية الجديدة، هذه السياسة قامت على إعادة الهيكلة الاقتصادية و الاجتماعية، والهادفة إلى رفع نسبة ثروة الأغلبية المالاوية إلى 30 %، والتي تكفل للمالاي المسلمين الحصول على نصيبهم من الإنتاج الاقتصادي. وقد وضح ذلك د.محمد مهاتير في قوله: (إن مفهوم اقتران التنمية بالمساواة في الفرص بماليزيا ينطوي على أهمية خاصة، نظرا لأن مجتمعنا يقوم على التعددية العرقية والدينية. ذلك أن السكان الأصليين الذين يعرفون بلفظ )بوميبترا) يشكلون نحو 60% من مجموع سكان البلاد. لكننا عندما نتحدث عن الثروة والمداخيل، فإنهم يحتلون موقعا متأخرا مقارنة
ببقية السكان الذين ينحدرون من جنسيات أخرى. هذا الواقع الذي دفعنا لإلى أن تدشن في عام 1970 م سياسة اقتصادية جديدة تم تصميمها بما يكفل للبوميبترا الحصول على نصيبهم من الكعكة الاقتصادية).
وكملاحظة جديرة بالذكر أنه لم يتم هذه السياسة من خلال انتزاع ثروات الصينيين وضعها في يد المالاويين، ولكنه أتاح تنمية الثروة العامة للصيني والمالاوي وإن كان هذا الأسلوب يتيح نسقا أسرع في تنمية الثورة للعنصر المالاوي للأهداف المعروفة، التي حققت مع انتهاء هذا الأسلوب، ومع بداية سياسات تحرير الاقتصاد الماليزي بعد أن اكتسب المالاي مهارات وخصائص جديدة.
وفي عام 1971 م، وفي إطار التحرر من التبعية التي أرادها الغرب، قامت بإصدار قانون المناطق التجارية الحرة لتجهيز الصادرات، وأعطت من خلاله حوافز لجذب رأس المال الأجنبي إليها.
كما أنها في سبيل التحرر من التبعية الرأسمالية قامت بإنشاء بنك إسلامي، وهو البنك الإسلامي الماليزي عام 1983 م وكذلك سمحت للبنوك التجارية الأخرى بتطبيق النظام الإسلامي في معاملاتها، مما شكل فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي للنمو على أرض ماليزيا.

ولكن هذه التوجهات لم يشفع لماليزيا في النجاة من فترات الأزمات، خاصة في بداية الثمانينات من القرن العشرين، حيث وصل العجز في الميزانية إلى 17
 14 % من الناتج القومي الإجمالي على التوالي في عام 1982 ، و تراجعت معدلات التبادل بشدة في عام 1985\ 1986، والتي حدثت بسبب الاعتماد المبالغ فيه على تصدير السلع الأولية للخارج، وذلك لأن هذه الخطوات لم تكن كافية ولم تكن
قد آنت ثمارها بعد. و في نهاية 1986 وصل الدين الخارجي إلى 85 % من الناتج القومي الإجمالي ،ووصلت نسبة خدمة الدين إلى 20 % من إجمالي الصادرات، و دخل الاقتصاد في حالة ركود، وانخفض الاستثمار الخاص بنسبة 25 %، و تقلصت أسواق الأسهم و العقارات في عام 1987 ، الأمرالذي أدى إلى إفلاس العديد من المؤسسات المالية .

ولهذا أقدمت ماليزيا بدءا من 1986 بوضع إستراتيجية للتنمية من خلال خطة خماسية(1990\1986) عمادها حفز نشاط القطاع الخاص لاعتباره المحرك الأساسي للنمو.
ولتحرير اقتصادها كما صرح بذلك رئيس الوزراء محمد مهاتير الذي تولى المسؤولية عام 1982 م، قائلا: )نحن في ماليزيا نؤمن بتحرير التجارة ورفع القيود عن الصادرات و الواردات(  وقامت أيضا بمجموعة من الإصلاحات و التعديلات في كافة القطاعات الاقتصادية، فركزت في ذلك على:
1.    مناخ الاستثمار بخفض الضرائب على أرباح الشركات و تخفيف القيود.
2.    إعادة هيكلة قطاع المشروعات العامة، من خلال وضع برنامج للخصخصة، مع وقف إنشاء مشروعات عامة جديدة.
3.    اتخاذ العديد من الإجراءات لدعم وتقوية الجهاز المصرفي والمالي، و لزيادة كفاءة و عمق الأسواق المالية.
4.    وضع سياسة لسعر الصرف لتأمين القدر المناسب من المنافسة.
5.    اتخاذ موقف متحفظ حيال الاقتراض الخارجي، خاصة من الصندوق النقد الدولي الذي عرض عليهم نموذج التطوير، و الإصرار على التعجيل في سداده، مع إعادة تمويل الدين القائم، فيقول د.محمد ماهتير: (من المهم هنا بيان أن ماليزيا قد أعرضت عن نموذج التطويرالذي مدحته وقامت بالدعاية له الدول الشمالية من خلال البنك الدولي"المصرف الدولي. للإنشاء والتعمير" والاتحاد العالمي للتسويق)
               
نتائج الاصلاح الاقتصادي:
1.    تحقيق نمو للناتج المحلي الاجمالي بلغ (94% ) عام 1990
2.    زيادة معدل نمو الدخل الحقيقي في ماليزيا نتيجة التوسع الصناعي وزيادة الصادرات
3.    الانتعاش والرواج الاقتصادي مما جعل لماليزيا  مكانة متميزة بين دول جنوب شرق اسيا

الخطة الإصلاحية 1990 م/ 2020
أخذ الاقتصاد الماليزي في استعاد قوة الدفع المعهودة بدءا من عام 1987 ، كما مكنت السياسات الإصلاحية، من وضع الاقتصاد الماليزي في موقع يمكنه من الاستفادة من التحولات في المنافسة الدولية، والشروع في خطة جديدة بدء من 1990 م 2020/ م في عهد رئيس الوزراء محمد مهاتير.
وتعرف هذه الخطة بالخطة الاستراتيجية 2020 و التي تطمح إلى تصنيف ماليزيا كدولة صناعية بحلول عام 2020 م ورفع معدل دخل الفرد إلى أربعة أضعاف مستوياته عام 1991 م.
وقد شرعت في هذه الخطة الجديدة 1990م  2020/ م بمجرد انتهائها من الخطة السابقة 1990\ 1970

فهذه الأخيرة كانت تسعى لتحقيق استقرار ماليزيا الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الدولي من خلال دخولها في منظمة الآسيان التي تهدف إلى تحقيق الحياد و الأمن و السلام لشعوب المنطقة.
فحققت ماليزيا أهداف الخطة القديمة مما مهد لها الطريق إلى الهدف الأساسي.
ومن هنا فإن ماليزيا تسعى من خلال هذه الخطة إلى تكثيف النشاط الصناعي على أرضها، ففي الستينات كان النمو يركز على الإنتاج الزراعي الذي يمثل %40  من الناتج، و كان إسهام القطاع الصناعي %10  من هذا الإنتاج و كانت سلعتين( المطاط و القصدير)  تشكلان 70 % من الصادرات وهذا التكثيف في النشاط الصناعي سيقوم باستهلاك كل المواد الخام التي تنتجها، وهذا يعني توفيرملايين من فرص العمل الجديدة من أجل تلبية حاجة النشاط الصناعي، وبهذا انخفضت نسبة البطالة إلى%3 ، وارتفع نصيب الفرد الماليزي من الدخل.
ويعزز فرصة الوصول إلى هذه الأهداف التي وضعتها للخطة، تنافي صادرات السلع و الخدمات إلى الخارج و التي قفزت من 1,9 مليار دولار أمريكي عام 1982 م إلى 135 مليار دولار أمريكي عام 2005 م.
وهذا النمو راجع إلى نمو القطاع الصناعي الذي أصبح يمثل قرابة 35 % من الناتج القومي الإجمالي للبلاد وقرابة 80 % من الصادرات الماليزية.

العوامل الداعمة لعملية التنمية في ماليزيا
فلم تكن ماليزيا في بادئ الامر سوى دولة زراعية تعتمد على انتاج
السلع الاولية وخاصه )القصدير والمطاط ونخيل الزي (،غير انها مالبثت عن طريق سياستها التنموية الا ان تحول الى واحدة من الدول الصناعية التي تتمتع بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي و تحتل اليوم مركزا مرموقا في الاقتصاد العالمي




هناك عوامل اساسية استطاع دفع عملية التنمية في ماليزيا يمكن اجمالها بالنقاط الاتية:
١
.القيادة السياسية : تهيأ لماليزيا عدد من القيادات السياسية المتميزة منذ الاستقلال حتى
الان ،وقد تميزت هذه القيادات بانها مثقفة ومتعلمة وقادرة على العمل لتحقيق المصالح العليا للدولة في ضوء استيعاب عميق لتعقيدات الوضع الداخلي وحساسياته ومجموعة الحسابات  الاقليمية والدولية وخلال خمسين عاما من عام   (1957\2007)قاد ماليزيا خمسة رؤوساء  وزارة فقط وهو ما يشير الى حاله الاستقرار النسبي الذي عاشته ماليزيا ،وعلى الاغلب كان رئيس وزراء هو الشخص الانسب لمرحلته
يعد مهاتير محمد الذي تولى رئاسة الوزراء لاكثر من ٢٢ (1981\2003) بطل الازدهار الماليزي حيث قفزت الدو لة في عهده قفزات هائلة خصوصا في جوانب الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية والخدمات، وقدم )مهاتير محمد(خدمات كبيرة لابناء قومه من الملايو واحدث تغييرات مهمة في بنيتهم الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على حقوق الاقليات
٢-التعايش والمشاركة:
 العقد الاجتماعي الذي استطاع  الماليزيون تطويره، احد عناصر نجاح التجربة ومن
اهم ضمانات استمرارها ، الاعتراف بالتنوع العرقي والديني والاقرار بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتوافق على ضرورة نزع فتائل التفجير،وعلاج  الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي

3-يتم اتخاذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية، ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها تتميز بأنها ديموقراطية في جميع الأحوال.

٤- دور الاسلام في دفع عملية التنمية :
التنمية الماليزية نتجت عن مجموعة من المتغيرات الداخلية والخارجية ،لعل من اهمها
)المشرو التنموي الوطني(الذي طرحه رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد منذ وصوله الى  السلطة في العام ١٩٨٢ وهناك من يؤ كد ان هذا المشروع هو مشروع تنموي على النمط الغربي يستخدم الاسلام لبناء الشرعية ،فأن بعض الدارسين يرى ا الاسلام لعب دورا محوريا في التنمية الماليزية ،وان التصور الماليزي للاسلام يعد مسؤولا الى حد بعيد عن تلك التنمية

5.          رفض الحكومة الماليزية تخفيض النفقات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية، والتي هي سبيل الاقتصاد إلى نمو مستقر في السنوات المقبلة. لذا قد ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح ضمن دول الاقتصاد الخمس الأولى في العالم في مجال قوة الاقتصاد المحلي.
6.          انتهجت ماليزيا استراتيجية تعتمد على الذات بدرجة كبيرة من خلال الاعتماد على سكان البلاد الأصليين الذين يمثلون الأغلبية المسلمة للسكان.
7.          اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأصليين، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم.
8.          اعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات حيث ارتفاع الادخار المحلي الإجمالي بنسبة 40 % بين سنة 1970م وسنة 1993م، كما زاد الاستثمار المحلي الإجمالي بنسبة 50 % خلال الفترة عينها.

عوامل أخرى ساعدت على نجاح التجربة التنموية في ماليزيا منها:
•  أنها تعاملت مع الاستثمار الأجنبي المباشر بحذر حتى منتصف الثمانينيات، ثم سمحت له بالدخول ولكن ضمن شروط تصب بشكل أساسي في صالح الاقتصاد الوطني منها:
- ألا تنافس السلع التي ينتجها المستثمر الأجنبي الصناعات الوطنية التي تشبع حاجات السوق المحلية.
- أن تصدر الشركة 50 % على الأقل من جملة ما تنتجه.
- الشركات الأجنبية التي يصل رأس مالها المدفوع نحو 2 مليون دولار يسمح لها باستقدام خمسة أجانب فقط لشغل بعض الوظائف في الشركة.
•  أيضاً امتلاك ماليزيا لرؤيا مستقبلية للتنمية والنشاط الاقتصادي من خلال خطط خمسية متتابعة ومتكاملة منذ الاستقلال وحتى الآن، بل استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي <الواحد والعشرين> من خلال التخطيط لماليزيا 2020م والعمل على تحقيق ما تم التخطيط له.
•  وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات: الاستهلاكية - الوسيطة -الرأسمالية) وقد كان هذا الأمر كمحصلة لنجاح سياسات التنمية بماليزيا فيمكن اعتباره سبباً ونتيجة في الوقت عينه.


الإسلام وتجربة التنمية في ماليزيا:
تقوم تجربة التنمية في ماليزيا على أنها تجربة ناجحة وأنها تجربة اتفقت إلى مدى بعيد مع مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي، وإن لم يتم الإعلان صراحة عن هذا الانتماء. فقد اهتمت ماليزيا بتحقيق التنمية الشاملة لكل من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية، مع الموازنة بين الأهداف الكمية والأهداف النوعية، مع الاهتمام بهذه الأخيرة. وتدلل الدكتورة <نعمت مشهور> على ما ذهبت إليه من خلال ما يلي:
•  في مجال التنمية المادية عملت ماليزيا على تحقيق العدالة بين المناطق، بحيث لا يتم تنمية منطقة على حساب أخرى، فازدهرت مشروعات البنية الأساسية في كل الولايات، كما اهتمت بتنمية النشاطات الاقتصادية جميعها، فلم يهمل القطاع الزراعي في سبيل تنمية القطاع الصناعي الوليد أو القطاع التجاري الاستراتيجي، وإنما تم إمداده بالتسهيلات والوسائل التي تدعم نموه، وتجعله السند الداخلي لنمو القطاعات الأخرى.
•  كما اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته، فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية، مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملاويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة، فضلاً عن زيادة ملكيتهم لها. كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانيات تحصيل العلم في مراحله المختلفة، وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية، وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر، فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية العظمى من أفراد الشعب كماً ونوعاً، وخصوصاً مع ارتفاع متوسط الدخل الفردي.
•  كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الاضطلاع بالعبء التنموي، سواء البشري أو التمويلي، حيث عملت على حشد المدخرات المحلية اللازمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة.
•  أيضاً اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، سواء كان من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، كما أسهم ارتفاع نصيب الملاويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، فضلاً عن القطاع المالي والمصرفي، إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية، وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية، فضلاً عن العواقب الوخيمة اجتماعياً وسياسياً.
•  طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة في الأحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات التي يتم الموافقة عليها.
•  التزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد، ففي حين عملت على تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فقد نمت مسؤولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها. ومن ناحية أخرى أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، مع وعدهم بأجور أعلى في المدى القريب، ولكن يؤخذ على الحكومة تجاهلها للاعتراضات الإسلامية على تحويل الموارد الطبيعية العامة إلى القطاع الخاص بدلاً من إبقائها في إطار الملكية المشتركة للمسلمين تحت مسئولية الدولة ورقابتها.


الدروس المستفادة من التجربة الماليزية:
يمكننا أن نخلص إلى مجموعة من الدروس يمكن لبلدان العالم الإسلامي الاستفادة منها وهي:
1.          الاهتمام بجوهر الإسلام وتفعيل منظومة القيم التي حض عليها الإسلام في المجال الاقتصادي وغيره ولا داعي لرفع لافتات إسلامية دون وجود مضمون حقيقي لقيم الإسلام.
2.          إعمال مبادئ الشورى التي حض عليها الإسلام من خلال نظم ديموقراطية تحترم حقوق الأفراد.
3.          في حال وجود عرقيات مختلفة يمكن التوصل إلى اتفاقات تتقاطع فيها دوائر المصالح المختلفة وبذلك يكون التنوع مصدر إنماء لا هدم.
4.          الاستفادة من الظروف العالمية السياسية لبناء الاقتصادات الوطنية.
5.          الاعتماد على الذات في بناء التجارب التنموية ولن يتحقق هذا إلا في ظل استقرار سياسي واجتماعي.
6.          الاستفادة من التكتلات الإقليمية بتقوية الاقتصاديات المشاركة بما يؤدي إلى قوة واستقلال هذه الكيانات في المحيط الدولي.
7.          التنمية البشرية ورفع كفاءة رأس المال البشري فالإنسان هو عماد التنمية تقوم به ويجني ثمارها.
8.          أهمية تفعيل الأدوات الاقتصادية والمالية الإسلامية في مجال التنمية مثل الزكاة والوقف من خلال وجود مؤسسات تنظم عملها والرقابة على أدائها.
9.          أن تتوزع التنمية على جميع مكونات القطر دون القصور على مناطق وإهمال مناطق أخرى، مما يترتب عليه الكثير من المشكلات مثل التكدس السكاني والهجرة إلى المناطق المعنية بالتنمية وتكريس الشعور بالطبقية وسوء توزيع الدخل.
10. اعتبار البعد الزمني من حيث استيعاب التقدم التكنولوجي، وأن المعرفة تراكمية، وأن المشكلات مع الوقت سوف تزول في وجود أداء منضبط بالخطط المرسومة.
11. بخصوص التطبيق لمبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي قد تكون هناك فترات انتقالية لتهيئة المجتمع للتطبيق الكامل ولكن لا يعني ذلك التوقف عن البدء في التطبيق، فمالا يدرك جله لا يترك كله. ويفضل البدء بما تتوافر له الشروط والظروف الملائمة.
خاتمة:
من مجمل الدراسة السابقة نرى ان التجربة الماليزية في التنمية احدى التجارب الفريدة التي يجب على الدول العربية والاسلامية الاستفادة منها واستلهامها، فماليزيا اليوم تعد في طليعة الدول التي تسمى بنمور آسيا ، والتي كسرت طوق التخلف والرجعية، ودخل في فلك الدول المتقدمة،  وهي الدولة الاسلامية الوحيدة التي يقوم اقتصادها على التنوع ، والفضل يعود في ذلك الى اهتمام الحكومات الماليزية منذ الاستقلال في العام ١٩٥٧ الى الاهتمام بالمواطن وتنمية طاقاته وامكاناته الفكرية، مما حفز المواطن على رد الجميل لدولته وحكومته التي قدم له كل مستلزمات الرقي البشري المادي والمعنوي ، وان اكثر مايثير الاهتمام والتوقف انها نجحت في بيئة متنوعة دينيا وعرقيا ولغويا، و ان ماليزيا قد تقدم بفعل القيادات السياسية والنخبة التي حكمتها، فضلا عن وجود شعب متسامح ويمتلك قيما انسانية نبيلة قوامها حب البناء والتقدم وعدم الميل للعنف
وتفكيك الوحدة الوطنية للبلاد، كما نجد ان ماليزيا تقدم بفعل نجاح النظام السياسي بتحقيق معادلة للتواز بين ماهو سياسي واقتصادي وعدم تدخل المؤسسة العسكرية بالحياة السياسية واقتصار دورهم على حماية حدود وسيادة البلاد، واستطاع النظام السياسي في ماليزيا تحقيق العدالة بين الولايات من خلال التوزيع العادل لمصادر الدخل الناجمة عن التقدم في عملية التنمية، وهكذا دخل مفهوم تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية في تر كيبة مشروع التنمية الذي تضمن برنامجا طويل المدى ودون الحاق الضرر بالاخرين وعلى اساس ان الجميع يستفيد من عملية التنمية
وثمارها، لذا اصبحت ماليزيا دولة صناعية رائدة، كما تميزت باقتصاد متعدد الموارد يعتمد دخله على مصادر دخله القومي على الصناعة والزراعة والنفط والتعدين الخ، بحيث تم تحجيم الفقر والبطالة.
كما استطاعت الدولة في ماليزيا الاهتمام برأس المال البشري سواء الاستفادة من اهل البلاد الاصليين او من المهاجرين من المسلمين التي ترحب السلطات الماليزية